أسباب الإصابة بالشلل الدماغي

أسباب الإصابة بالشلل الدماغي

بينما لا يمكن تحديد أسباب الإصابة بالشلل الدماغي بالنسبة لبعض المرضى، تتركز الأسباب المرضية لإصابة حالات أخرى بهذا المرض في: تعرض الجنين لمشكلات خاصة بالنمو والتطور داخل الرحم (مثل تعرضه للإشعاع أو للعدوى) وتعرض الجنين لحالة الاختناق قبل الولادة وتعرض الدماغ لحالة نقص التأكسج وتعرض الوليد لحالة رضح الولادة أثناء المخاض والولادة، وكذلك المضاعفات التي يمكن أن تصيب الطفل في فترة حوالي الولادة أو في فترة طفولته المبكرة. وتكون الإصابة بالشلل الدماغي أكثر شيوعًا في حالة تعدد المواليد.

وقد أدت الدراسات التي تم إجراؤها في جامعة ليفربول إلى وضع فرضية تقول إن العديد من حالات الإصابة بالشلل الدماغي والحالات المرضية الأخرى التي يمكن أن يتعرض لها الوليد أثناء الولادة يتسبب فيها وفاة توأم متطابق معه في مرحلة مبكرة من الحمل. وقد يحدث ذلك عندما يتشارك التوأم في الدورة الدموية نفسها لتشاركهما المشيمة نفسها. وليس بالضرورة أن تتشارك التوائم المتطابقة كلها مصدر الإمداد الدموي نفسه (أي أن يكون التوأم أحادي المشيمة). ولكن، في حالة حدوث ذلك، يمكن أن يتسبب الاضطراب الحادث في تدفق الدم بين الجنينين في وفاة أحدهما والإضرار بنمو الجنين الذي بقي على قيد الحياة. ومن المعلوم لدى أطباء الولادة والقابلات أن الجنين صغير الحجم الذي توفي (الجنين القرطاسي) قد يتم العثور عليه أحيانًا ملتصقًا مع المشيمة بعد أن تتم عملية الولادة. وفي الماضي، لم يعتبر الناس هذا الأمر مهمًا، بل كان يتم تكتم أمر "التوأم المختفي" حرصًا على عدم إثارة مشاعر الفقد أو الحزن أو الذنب في نفس الأم، وكذلك – على وجه الخصوص – في نفس الوليد الذي كتب له الخروج إلى الدنيا دون شقيقه. وتتوقف التبعات المرضية لمثل هذه الحالة على شدتها وكذلك على مرحلة النمو التي كان الجنين يمر بها عندما حدث عدم التوازن في تدفق الدم بين التوأم. ومن المعتقد أن هذا المسبب المرضي يمكن أن يقدم تفسيرًا – ليس فقط للإصابة بالشلل الدماغي – ولكن أيضًا لوجود تشوهات للنمو خارجة عن المألوف في العين والقلب والمعي، وكذلك تشوهات دماغية معينة، مثل الاضطرابات الخاصة بهجرة الخلايا العصبية (ومثال ذلك، انعدام التلافيف (الدماغ الأملس) واندماج مقدم الدماغ) (الدماغ غير المنقسم).

وتتراوح نسبة مرضى الشلل الدماغي من الأطفال الذين جاءوا إلى الدنيا بعد ولادة مبكرة ما بين نسبة %40 و%50 من إجمالي عدد مرضى الشلل الدماغي من الأطفال. ويسهل تعرض الأطفال المبتسرين لهذا المرض لأن أعضاءهم تكون غير مكتملة النمو مما يؤدي إلى زيادة احتمالية إصابتهم بنقص التأكسج الذي يصيب الدماغ؛ وهو الأمر الذي يمكن أن تظهر تبعاته في إصابتهم بالشلل الدماغي. وتظهر إحدى المشكلات عند محاولة تفسير سبب الإصابة؛ وهي صعوبة التمييز بين الشلل الدماغي الذي ينتج عن التلف الذي يصيب الدماغ نتيجة الإمداد غير الكافي بالأكسجين وبين الشلل الدماغي الذي ينتج عن التلف الدماغي الذي يحدث للجنين قبل الولادة ويعجل بولادته قبل الأوان.

وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن تعرض الوليد للاختناق أثناء الوضع لا يمكن اعتباره السبب الأكثر أهمية للإصابة بالشلل الدماغي – فهذا السبب يقف وراء نسبة لا تتجاوز العشرة بالمائة من إجمالي عدد الحالات المصابة. بل قد يؤدي تعرض الأم لنوع من العدوى – بما في ذلك أنواع العدوى التي لا يمكن اكتشافها بسهولة – إلى مضاعفة احتمالية إصابة الجنين بالمرض بمقدار ثلاث مرات. ويحدث ذلك بصفة أساسية كنتيجة للتأثير السمي الذي يتعرض له دماغ الجنين من أنواع السيتوكين التي يتم إنتاجها كجزء من الاستجابة الالتهابية لجسم الأم لمقاومة العدوى التي أصابتها. ويعتبر الانخفاض الشديد لوزن المولود من عوامل الخطر التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالشلل الدماغي. وعادةً ما يكون المواليد المبتسرون منخفضي وزن الولادة، حيث لا تتعدى أوزانهم 2.0 كيلوجرام، وذلك على الرغم من أن مواليد الحمل الكامل يمكن أن يكونوا منخفضي وزن الولادة أيضًا. وتزيد احتمالية الولادة المبكرة أو انخفاض وزن المولود في حالات تعدد المواليد عن حالات الولادة الفردية العادية.

أما الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى إصابة الطفل بالشلل الدماغي بعد الولادة فتشتمل على: التعرض للسموم الحيوية (الذيفان) والإصابة الشديدة بمرض الصفرة (اليرقان) والتسمم بالرصاص والإصابات المادية التي يتعرض لها الدماغ ومتلازمة الطفل المرتج، وتعرض الطفل لبعض الحوادث مثل تعرض الدماغ لنقص التأكسج (في حالة مرور الطفل بتجربة الغرق الوشيك) وإصابته بمرض التهاب الدماغ أو التهاب السحايا. ويمكن اعتبار أن الأسباب الثلاثة الأكثر شيوعًا لإصابة الطفل الصغير بالاختناق هي: اختناق الشرقة بسبب دخول جسم غريب إلى مجرى التنفس، مثل الألعاب وأجزاء الطعام، وكذلك التسمم والتعرض للغرق الوشيك.

أما بعض أشكال الشذوذ التركيبي الخاص بالدماغ مثل انعدام التلافيف، فقد تظهر في السمات الإكلينيكية الخاصة بمرض الشلل الدماغي، وذلك على الرغم من وجود تباين في الآراء حول اعتبار المريض في هذه الحالة مصابًا بالشلل الدماغي من عدمه (حيث يقول البعض إن الشلل الدماغي ينبغي أن ينتج عن تلف الدماغ، بينما يكون دماغ الأشخاص الذين يظهر هذا الشذوذ التركيبي في تكوينهم الدماغي غير طبيعي من البداية).  وعادةً ما يحدث ذلك في حالات الاضطراب الكروموسومي نادرة الحدوث، بينما لا يمكن اعتبار الشلل الدماغي مرضًا جينيًا أو وراثيًا.

التشخيص

في الماضي، كان تشخيص الإصابة بمرض الشلل الدماغي يعتمد على التاريخ الطبي للمريض وفحصه جسديًا. وعندما يتم تشخيص الإصابة بالشلل الدماغي، يكون إجراء الاختبارات التشخيصية الأخرى مسألة اختيارية. وقد قامت الأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب بنشر مقال في عام 2004 قدمت فيه دراسة في ضوء البيانات والأدلة المتوافرة عن المرض باستخدام الأشعة المقطعية بالكمبيوتر (CT) والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI). واقترح المقال أن تصوير الأعصاب باستخدام الأشعة المقطعية بالكمبيوتر أو بالرنين المغناطيسي مضمون النتيجة في حالة كون المسبب المرضي للإصابة بالشلل الدماغي غير معروف، ويكون استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي مفضلاً على استخدام الأشعة المقطعية بالكمبيوتر بسبب نتيجة التشخيص التي يمكن الحصول عليها وكذلك بسبب كونه أكثر أمانًا في الاستخدام. وفي حالة الكشف عن حالة غير طبيعية، يمكن أن توضح دراسة تصوير الأعصاب التوقيت الذي حدثت فيه الإصابة المبدئية بالمرض. ويمكن أن يكشف استخدام الأشعة المقطعية بالكمبيوتر والتصوير بالرنين المغناطيسي – أيضًا – عن الحالات المرضية القابلة للعلاج، مثلما هي الحال في إصابات: استسقاء الدماغ وتثقب الدماغ والتشوه الشرياني الوريدي والورم الدموي تحت الجافية والورم الرطب والورم دودي الشكل. (وهي حالات افترض عدد قليل من الدراسات وجودها في نسبة تتراوح ما بين %5 إلى %22 من إجمالي عدد الحالات المصابة بالشلل الدماغي). علاوةً على ذلك، تشير دراسة تصوير الأعصاب التي تكشف عن حالة غير طبيعية عن وجود احتمالية كبيرة لإصابة مريض الشلل الدماغي بحالات مرضية مصاحبة، مثل: الصرع والتأخر العقلي.

العلاج

لا يوجد علاج معروف لمرض الشلل الدماغي، ولكن توجد أنواع متعددة من العلاجات يمكن أن تساعد الشخص المصاب بهذا الاضطراب المرضي في أن يعيش ويقوم بالمهام المطلوبة منه في الحياة بشكل أكثر كفاءة. وبوجه عام، كلما بدأ العلاج مبكرًا، سنحت الفرصة للأطفال المصابين بهذا المرض أن يتغلبوا على إعاقات النمو التي يعانون منها أو أن يتعلموا أساليب جديدة تجعلهم يتمكنون من أداء المهام التي يقف المرض عائقًا أمام قيامهم بها. ويمكن أن يبدأ التدخل العلاجي الفعال منذ دخول المولود إلى وحدة العناية المركزة الخاصة بالأطفال حديثي الولادة (Neonatal Intensive Care Unit؛ والتي تتم الإشارة إليها اختصارًا بالحروف NICU). ويمكن أن يشتمل العلاج على واحد أو أكثر من الإجراءات التالية: العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وعلاج النطق واستخدام الأدوية للتحكم في النوبات التي تصيب المريض وتسكين الألم أو التخفيف من وطأة التقلصات العضلية (ومن أمثلة الأدوية التي يتم استخدامها للقيام بذلك: البنزوديازيبينات والباكلوفين والإنتراثيكال فينول/والإنتراثيكال باكلوفين) والعلاج بالأكسجين ذي الضغط العالي واستخدام مادة البوتوكس لإرخاء تقلص العضلات والتدخل الجراحي لتصحيح أشكال الشذوذ التشريحية أو تحرير العضلات المشدودة واستخدام الدعامات والأجهزة التقويمية الأخرى والمشايات المتحركة والوسائل التي تساعد على تواصل المرضى مع الآخرين؛ مثل أجهزة الكمبيوتر التي تتصل بها أجهزة ملحقة لاصطناع الأصوات في حالة عدم قدرة المريض على الكلام. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد استخدام دعامة الوقوف في الحد من التشنجات وتحسين مدى الحركة بالنسبة لمريض الشلل الدماغي الذي يستخدم الكرسي المتحرك. وعلى الرغم من ذلك، تتحقق فائدة محدودة من استخدام هذه العلاجات. فعادةً ما تتعامل هذه العلاجات مع الأعراض ويكون التركيز فيها على مساعدة المريض في الارتقاء بأكبر عدد ممكن من مهاراته الحركية أو في تعلم كيفية الاستعاضة عن عدم وجودها بأشياء أخرى. أما بالنسبة لمرضى الشلل الدماغي غير القادرين على الكلام، فعادةً ما ينجحون في الاستفادة من أنظمة التواصل البديلة والمساعدة، مثل استخدام رموز بليس (Blisssymbols).